احصائيات المدونة

الخميس، 29 مارس 2012






يتضمن العديد من الوثائق التاريخية ويسجل الموروث الثقافي الشعبي

الحياة الاجتماعية ومظاهر الحضارة في منطقة سرو حمير "يافع"






للباحث أ. عبداللاه الضباعي







عرض/خليل المعلمي

الاحد1نوفمبر/2009م 13/ذو القعدة/1430هـ

صحيفة الثورة العدد(16426



اليمن كغيره من بلدان العالم يمتلك تاريخاً مزدهراً وحضارة عظيمة، وكل هذا لم يأت من فراغ بل على أسس وعادات وتقاليد وموروث ثقافي واقتصادي واجتماعي وسياسي وهذا الموروث الحضاري يتغير ويستبدل عبر مراحل العقود والقرون بتغير الأحداث التاريخية وتداخل الثقافات بين الشعوب. ونتيجة للأحداث المختلفة التي تتعرض لها المناطق اليمنية فهناك تعدد في الموروث الشعبي يختلف من منطقة إلى أخرى وتحت مظلة ثقافية واحدة أساسها تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف. ربما لتنوع المناطق اليمنية واختلاف بعض عاداتها وتقاليدها، فنحن نحتاج للتعرف عن تاريخ كل منطقة وموروثها الشعبي وثقافة أبنائها وتركيبتها الاجتماعية والعمل على توثيق كل ذلك في مؤلفات وكتب ورسائل علمية وأبحاث ترتكز في أساسها على المنهج العلمي المتبع في مثل هكذا دراسة وهذه الكتب التي تعتبر ضمن الدراسات (الانثربولوجية) تهم الكثير من المثقفين والدارسين والمهتمين بل وتعتبر توثيقاً للحياة الاجتماعية لهذه المناطق التي لا تزال تتعامل مع الكثير من موروثها الشعبي وإن كانت قد تأثرت بالعديد من المظاهر الدخيلة على بلادنا.



ولهذا سنستعرض أحد الكتب التي يظهر عليها الجهد المبذول من مؤلفه، والكتاب هو" الحياة الاجتماعية ومظاهر الحضارة في سرو حمير" يافع" لمؤلفه عبداللاه سالم صالح الضباعي والذي يأتي في (641) صفحة من القطع الكبير فإلى التفاصيل:


أهمية الكتاب:

 إن لهذا الكتاب أهمية كبيرة فهو يسجل مظاهر الحياة السياسية لمنطقة يافع والتي ذكرت في التاريخ القديم باسم (سرو حمير).. كما يجعلنا نقف أمام عادات وتقاليد وموروثات بدأت تتعرض للانقراض والتلاشي والاختفاء التدريجي بفعل الكثير من التأثيرات الحديثة ،ولهذا فقد سجل الكتاب جميع مناحي الحياة في هذه المنطقة سياسيا واجتماعياً واقتصادياً وتاريخياً وثقافياً ودينياً، ولأن الكاتب الضباعي كان مولعا بكتب التاريخ والاطلاع على ما هو تراثي وشعبي وخلال حياته فقد جمع الكثير من المخطوطات والوثائق التاريخية والتي تعتبر كنوزاً ثمينة اعتمد عليها وكانت له الدافع لتأليف هذا الكتاب.



سرو حمير"يافع":



إن منطقة الدراسة ومحتوى الكتاب الذي عني به الكاتب هي منطقة سرو حمير المعروفة حالياً باسم "يافع" وما جاورها من السهول والأودية ومنها انطلقت قبائل حمير لتكون دولة حمير التي بسطت نفوذها على كل أرجاء اليمن ومناطق أخرى.



وقد مَرّ مجتمع سرو حمير يافع بمختلف المراحل التاريخية العديدة التي مرت بها اليمن ومن خلال تلك المراحل فقد تفاعل هذا المجتمع مع كل الظروف والظواهر السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية قبل وبعد ظهور الإسلام.. وقد أفرزت كل هذه الظروف والظواهر وبلورت نظم وأحداث كل مرحلة وعكست نفسها على أوضاع المجتمع وسلوك أفراده في عدد من المجالات المختلفة والمكتسبة من التقاليد والعادات والأعراف الموروثة والتي ظلت تحكم القبيلة والأفراد طوال مراحل تاريخية مختلفة.

ويافع جفرافيا تقع بين محافظات أبين ولحج والبيضاء و(الضالع) وهي منطقة جبلية شديدة الوعورة والتضاريس وأعلى قمة جبلية هي قمة جبل "ثمر" الذي يصل ارتفاعه إلى 2520 متراً فوق سطح البحر وهذه القمة واقعة على أعلى هضبة في يافع المسمى بــ(لبعوس) ويتخلل هذه السلاسل الجبلية العديد من الأودية الضيقة وعلى جميع الاتجاهات.

محتويات الكتاب:

 إن هذا الكتاب والظاهر من اسمه يرصد الحياة الاجتماعية ومظاهر الحضارة في منطقة سرو حمير"يافع" حيث احتوى على خمسة أبواب موزعة فيها العديد من الفصول والفروع:



الباب الأول: يرصد الحياة السياسية والتركيبة الاجتماعية، أما الباب الثاني: فقد عرضت فيه جوانب الحياة الاقتصادية والمصطلحات المتداولة في البيع والشراء وأثر ذلك على الحياة العامة في هذه المنطقة، وفي الباب الثالث استعرض الكاتب مظاهر الحياة الاجتماعية بما تشكله من علاقات اجتماعية بين أفراد القبلية الواحدة وبين القبائل المتجاورة متضمنا مختلف الاحتفالات الدينية والمناسبات التي تقام بين فترة وأخرى، وفي الباب الرابع والذي خصصه المؤلف للحياة العلمية والأدبية تحدث المؤلف عن النظام التعليمي ومراحله المختلفة وكذلك الأنشطة العلمية والثقافية والشعرية التي كانت تنظم آنذاك مستعرضاً أعلام الفكر والأدب والشعر مع عرض نماذج لقصائد البعض.

أما الباب الخامس: فكان عبارة عن وثائق قام المؤلف بجمعها خلال الفترة الماضية وهي تعتبر كما قال كنوزاً ثمينة نضعها أمام حياة حافلة بالحضارة بما تعنيه الكلمة وفيما يلي عرض موجز عن كل باب احتوى عليه الكتاب:

الحياة السياسية والتركيبة الاجتماعية في هذا الباب قام المؤلف بتقسيمه إلى عدة فصول تحدث فيها عن الحياة السياسية في سرو حمير" يافع" حيث تحدث عن موقع يافع الجغرافي الذي يتميز بتضاريسه الجبلية ومن ثم أعطى لمحة تاريخية موجزة عن المنطقة حيث أشار إلى أن اسم يافع جاء من "يافع بن قاول بن زيد بن ناعتة بن شرحبيل بن الحارث بن زيد بن ذي رعن الأكبر بن سهل بن زيد الجمهور" واصفا هذا الشخص بضخامة البنية وذي شهامة وكرم وعروبة موضحاً الإرث التاريخي لقبيلة يافع والتي امتازت بالشدة وكثرة المراس حتى استعان بهم العديد من السلاطين مثل آل الرصاص والعبادلة والعوالق إذا هجم عليهم فاتح أو مغير.
وفي ختام هذا الباب استعرض المؤلف تاريخ يافع قبل الإسلام وفي صدر الإسلام وفي عصر الدويلات حيث أوضح خلال حديثه واستعراضه لتاريخ يافع أنها كانت تابعة للدولة الحميرية التي سكانها كل أرجاء اليمن، أما في عهد صدر الإسلام فإن الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد أرسل برسالة إلى أقيال اليمن الحميريين آنذاك وهم(النعمان والحارث ونعيم وعريب ومروح أبناء عبدكلال الحميري) وكانوا يقيمون آنذاك في ذي أبين وبهذا كما يقول المؤلف فإن الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد اهتم بالحميريين في اليمن قبل غيرهم من القبائل اليمنية على اعتبار
  أنهم القوة الأساسية التي يجدر التفاهم معها في اليمن وهم أصحاب النفوذ الواسع فيه.

ويضيف المؤلف أن الوفود التي جاءت من اليمن إلى الرسول الأكرم في السنة التاسعة للهجرة معلنين إسلامهم كان من بينهم مبعوث (زرعة بن عامر بن سيف بن ذي يزن) وهو يحمل رسالة تبين إسلامهم وإسلام أقيال اليمن ومن ثم حسن إسلامهم، وكان أبناء يافع من ضمن اليمنيين الذين هبوا لنصرة الإسلام وكانوا من طلائع الجيوش الإسلامية الفاتحة للشام ومصر، أما  في عصر الدويلات فقد تحدث المؤلف عن الدويلات التي مرت بها يافع بداية من دولة علي بن الفضل مروراً بالدولة الرسولية والطاهرية وحتى العثمانيين وإلى قيام الثورة.

كما تحدث المؤلف في هذا الباب عن التركيبة الاجتماعية الموجودة  في يافع والتي تتكون من فئة السلاطين والمشائخ وهم من كانوا يحكمون المنطقة وكانت العلاقة بينهم جميعاً تقليدية حيث حافظوا على نظام الشورى ومبدأ التبعية الطوعية. وفقه المرجعيات الدينية ورجال القبائل والمشتغلين بالمهن حيث أوضح المؤلف أن هؤلاء من كانوا يمثلون النظام الاجتماعي ولكل دوره في الحياة العامة والحياة السياسية والدينية.
لاشك أن يافع تحتوي على العديد من القبائل ولهذا كان لابد للمؤلف أن يتعرض لشرح التقسيم القبلي ليافع وأنواع وأسماء القبائل الموجودة فيها وأسماء وأشهر زعماء هذه القبائل وفي نهاية الفصل الأول يتعرض المؤلف للتقاليد والأعراف القبلية
   في يافع والتي وجدت عبر مراحل تاريخية عديدة حصلت فيها، وحدثت خلالها تبدلات سلبية وإيجابية تبعاً لنوعية التغيرات التاريخية مستعرضاً تفاصيل هذه التقاليد والأعراف في مختلف الحياة في يافع.

الحياة الاقتصادية ومظاهر الحضارة:

إن سعي سكان سرو حمير" يافع" إلى خلق عوامل الاستقرار للحياة على الرغم من المستوى المتدني للقوى المنتجة وما يرافقها من شحة الرقعة الزراعية واعتماد الزراعة كلياً على مياه الأمطار وكذا قسوة وصعوبة الحياة في هذه المنطقة.

إلا أن الإنسان بطبيعة حاله لا يعتمد على الزراعة فقط، ولهذا ظهرت التجارة وظهرت أيضا الصناعات الحرفية والتي كانت جميعها أحد مظاهر الحياة الاقتصادية في هذه المنطقة. فبدءاً من الزراعة يتحدث المؤلف عن المواسم الزراعية والتي عرفها الإنسان منذ القدم ومنها هذه المنطقة عارضاً طرق الري والحصاد وعاداته موضحاً أنواع الحبوب والثمار التي كانت تزرع إضافة إلى أنواع الأشجار والحيوانات الموجودة.

أما انتشار الصناعات الحرفية  والتجارة  في يافع فهو كما يقول المؤلف دليل على تقدم الإنسان وتطوره في هذا المكان حيث صقلت مهارات فردية عالية في مختلف المهن حيث وجدت تعبيرها في أشكال البناء وزخرفة الأخشاب للمنازل وصناعة الحلي وتطريز الجنابي، ويوضح المؤلف أن النشاط الإنتاجي الحرفي يرتكز على التملك والعمل الفردي ويخلو من أشكال استغلال العمل المأجور.

ويضيف المؤلف أن الحديث عن الحياة الاقتصادية والتجارية لمنطقة يافع تدل على الاكتفاء الذاتي لهذه المنطقة في جميع مناحي الحياة حتى العشرينيات من القرن الماضي.

حيث نشطت التجارة في هذه المنطقة سواء في الداخل أو بالتبادل مع المناطق المجاورة، شارحاً في ذلك أنواع السلع ومصادرها ووسائل النقل والمعايير والمقاييس والعملات المتداولة.

ويختم المؤلف هذا الباب بالحديث عن مظاهر الحضارة في هذه المنطقة والمتمثلة في الآثار الحضارية التي مازالت موجودة حتى الآن والمناطق الأثرية الموجودة فيها كما يستعرض أهم المدن والقلاع التاريخية والفن المعماري الذي اشتهرت به يافع والواضح في المنازل والقلاع وغيرها.

الحياة الاجتماعية ومظاهرها لقد تعددت مظاهر الحياة الاجتماعية وتنوعت في منطقة يافع من زواج وولاد ووفاة ونظم إعاشة والاحتفالات بالمواسم والأعياد والعادات والتقاليد المختلفة.

ولأن الزواج هو الأساس لبناء الأسرة باعتبارها الخلية الأولى للمجتمع كما يعتبر التعبير عن العلاقات الإنسانية الخالصة التي تنشأ الأسرة بنشأتها.

وتناول المؤلف في ذلك نظم الزواج والإعاشة والحياة الأسرية بعد الزواج وتعرض أيضاً للاحتفالات الدينية والاجتماعية وطريقة إقامتها.

الحياة العلمية والأدبية:

 إن انتشار الدين الإسلامي الحنيف وتعاليمه السمحة والداعية للقراءة والكتابة كان ليافع نصيب في ذلك.. يقول المؤلف إن الحديث عن الجانب العلمي والثقافي والأدبي في يافع متعدد الأشكال والألوان وهو بمجمله يشكل موروثاً حضارياً وثقافياً وإنسانياً راقياً وتتمثل هذه الأشكال في النشاط التعليمي والنشاط الأدبي. واستعرض المؤلف في هذا الجزء مراحل التعليم والمناهج التي يتم تدريسها ومن ثم تحدث عن أعلام وبطون يافع المشاهير في العلم ومنهم «ذو الطوق اليافعي» وأبوبكر بن محمد اليافعي وغيرهم ممن ألفوا الكتب والمراجع العلمية في مختلف المجالات الأدبية والفقهية. كما استعرض النشاطات الأدبية وقصائد العديد من الشعراء من أبناء يافع على مر الأزمنة وكذلك الأهازيج والزوامل التي تقال في مختلف المناسبات في الأعياد وفي إقامة حفلات الأعراس.



الوثائق وأهميتها:



 الوثائق على اختلاف أنواعها وأصنافها تؤدي دوراً متميزاً وهاماً في ربط الماضي بالمستقبل وهي من أثمن نفائس التراث لدى الأمم وعلى أساسها تتم كتابة تاريخ الأمم والشعوب ومعرفة أعراف وتقاليد الشعوب عبر الأزمان.



ومؤلف الكتاب قد خصص الجزء الأخير من الكتاب في نشر الوثائق التي وصلت إلى يده وهذه الوثائق متنوعة، فهناك الوثائق التاريخية والوثائق الإدارية والاحلاف ووثائق تتعلق بالزراعة والبناء والتجارة والبيع والشراء ووثائق الأحوال الشخصية والميراث والوقف.



وتضمن الكتاب في الصفحات الأخيرة ملحقاً للصور لمنطقة سرو حمير"يافع" وهذه الصور أخذت في الفترة الأخيرة منذ قيام الثورة في الستينيات، وتوضح البناء المعماري وبعض الزيارات لبعض القيادات السابقة إلى المنطقة.



ومن خلال تصفح الكتاب يمكن القول أن هذا الكتاب يعتبر مرجعاً علمياً مهماً يعتمد عليه وذلك لأن مؤلفه وهو من أبناء المنطقة قد اعتمد المنهج الأكاديمي وطرق البحث العلمية.. كما يتميز الكتاب بمواده الغنية، ويعد دراسة متميزة يقف بأقدام راسخة على أرضية الانثروبولوجيا الثقافية من جانب وفي ميدان علم اجتماع التنمية من جانب آخر.

وما يزيد أهمية هذه الدراسة أنها مكرسة لدراسة جزء هام من المجتمع اليمني الذي كان ولا يزال له أدواراً بارزة في صناعة التاريخ اليمني في كافة العصور والمراحل.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More