احصائيات المدونة

الأربعاء، 21 مارس 2012

حكايات الضباعي في ديوان كلم جدار




حكايات الضباعي في ديوان كلم جدار
مختار مقطري
 ليست هذه قراءة مفصلة في ديواني الشاعر عبداللاه الضباعي، ولكنها محاولة لتقديمه للقراء كشاعر مطبوع غزير العطاء وجدير بالدرس والقراءة، لأشير إلى جانب مهم في شعره وهو عرض فكرته الشعرية في قالب إبداعي جديد قلما نجده عند غيره من مجايليه من الشعراء  وهو (الحكاية ) بما فيها من حبكة وبعد درامي متصاعد وحوار مسبوق بكلمة قال: وغير المسبوق المعتمد على الحدث.. والحكاية في شعره تذكرنا ببعض المأثور الأدبي العربي والإسلامي  مثل (كليلة ودمنة) و (ألف ليلة وليلة) وبخلاء الجاحظ، وهي قالب شعري نجده في الديوان الثاني للشاعر مما يعني أن تجربته الشعرية في تطور مستمر وغير جامدة في قوالب محددة ومستهلكة ومتعارف عليها كما في قصائد مثل : (الطالب منير، الثور زهير، جرس رنان، البابا والشيطان، سعدية في البير تسقط) وغيرها ونؤجل الحديث عنها لضيق المجال، وتبقى القراءة في الشعر مجرد قراءة ويبقى جمال وروعة الشاعر والإنسان في كل زمان. في ديوانه الثاني (كلم جدار) 2005م يلمس القارئ المهتم تطورا في التجربة الشعرية للشاعر عبدالاله الضباعي من خلال توظيفه لشكل ابداعي جديد هو (الحكاية) أو القصة القصيرة ومزجه بالقصيدة مزجا لانفور فيه ، فلم يؤثر سلبا على أحد عناصر القصة، كالتصاعد الدرامي وتوزيع الحوار والخاتمة ولم يخل بالبناء الفني للقصيدة ولم يقحم فيها قوافي متكلفة كضرورة للقص وتصاعد الحوار مما يعني امتلاكا أكبر للشعر وبروز مقدرة ابداعية جديدة في البناء القصصي، والأهم هو الجمع بينهما في شكل ابداعي واحد، يتماهى كل منهما في نسيج الآخر، رغم توفر أهم عناصر القصة القصيرة كالتكثيف في عرض الفكرة وفي الحوار وايحائية المفردات والخاتمة المفاجئة غير المتوقعة .. الخ. وإذا كانت الحكاية في هذا الديوان، تستوقف المتلقي لمتباعتها ففي حكايات الشاعر الضباعي أموراً أخرى تستوقف القارئ المهتم.. بتوفر عناصر القصة القصيرة - الحكاية مثلا في قصائد (الثور زهير- الطالب منير- جرس رنان- البابا والشيطان سعدية في البير تسقط) وغيرها .. كالحوار المترابط والبعد الدرامي المتصاعد والنهاية المدهشة لتوصيل الموعظة والعبرة دون تكلف ،مما يجعلها عملا فنيا دراميا يمكن تقديمه في تمثيلية اذاعية. فصاحب الثور (مسعد) في قصيدة (الثور زهير) يعلن لزوجته (مسعدة) رغبته في بيع ثوره الذي شاخ واذلة الكبر، متناسيا الخدمة الطويلة والشاقة التي قدمها له ثوره بكل وفاء وطواعية، رغم عدم تصريح الشاعر بفضائل الثور الوفي تاركا للقارئ استشعارها ليضمن تضامنا تلقائيا مع الثور المسكين، وتوافق الزوجة تحت اصراره، فيسخر الشاعر من (مسعد) حريص على مصلحته ليشتري ثورا شابا قويا، غير عابئ بتضحيات ثوره العجوز التي قدمها له على مدى سنوات طويلة ليتمكن من تحقيق المصلحة ذاتها.. ولكن الثور العجوز صار يأكل أكثر مما يعمل ألا يذكرنا هذا الموقف بحال الحكومة مع المتقاعدين.. يقول الشاعر:

                                                                  مسعد قال يا مسعدة = يبدو الثور عجز كبر
شيب ما معه مقدرة = للمحراث قد هو كبير
قالت له وايش العمل = إيش الحل لو ما قدر
قال الحل با سوقه = بابيعه وبأخذ صغير


ويبيع مسعد ثوره (بابخس ثمن) ولا يجد ثورا شابا يشتريه إلا بعد أشهر وحين تراه مسعدة تكتشف إنه ثورهم العجوز.. وقد استوقفتني هذه الحكاية واستوقفني فيها أكثر اسما (مسعد ومسعدة) وذكراني ببطلي حلقات تمثيله إذاعية يومية من إذاعة صنعاء.. وباعتبار إنها إذاعة رسمية.. فمن هو زهير؟ ألا يذكرنا اسم زهير بالإمارة في القبيلة والإمارة في الشعر.. زهير عبس وزهير بن أبي سلمى.. فهل يحذرنا الشاعر من التخلي عن تراثنا والتنكر لتاريخنا؟ وهل يؤكد لنا أننا لا نستطيع أن نفعل ذلك مهما حاولنا ، فتاريخنا يلحق بنا إن لم نلحق به ويعود ألينا- كما عاد الثور زهير لصاحبه ليذكرنا بما كنا ومن كنا ومن سنكون وفقا لتداعياته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.. كلها أسئلة أخشى تأويل إجاباتها ولكنها تبقى دلالة واضحة على اتساع ثقافة الشاعر.

وفي قصيدة (البابا والشيطان) نحن في جزيرة يسكنها شعب مسيحي ، والقديس في الكنيسة يعلم الناس يوميا ويعظهم ويحذرهم من كيد الشيطان، وذات يوم وهو قافل إلى بيته يتعرض له الشيطان بشكل آدمي فيصافحه القديس ويرحب به، ولكنه يرفض الاعتراف بأنه من سكان الجزيرة ويصر إبليس على أنه من سكان الجزيرة فعلا، ويؤكد له إنه من الجان وإنه إبليس.. ومن غير القديس يمكنه التعرف على إبليس؟ فيتعوذ القديس بالله يمضي في طريقه رافضا مرافقة إبليس الذي يلحق به فيسقط في حفرة عميقة، ويصيح طالبا الغوث والمساعدة من القديس الذي يرفض متمنيا لإبليس الموت في الحفرة العميقة ، كي تتخلص الدنيا من شروره ويبقى رافضا مساعدته رغم محاولات إبليس إغرائه بوسائل عدة حتى يقنعه بأن مصلحته تقتضي خلود إبليس فإذا مات فقد القديس وظيفته ومصدر دخله وهيبته المقدسة في المجتمع.. يقول الشاعر على لسان إبليس وهو يحاول إقناع القديس:



أنت مصلحتك أن أخرج وهذا لك أسلم
لا وظيفة معك رسمي بمرفق وديوان
شغلك إبليس متخصص وهذه مهامك
أنت بإبليس عند الكل حاكم وسلطان


فيقتنع القديس ويساعد الشيطان على الخلاص

فهل فعل الخير مرتبط بفعل الشر؟ وهل القداسة مرهونة بالمحافظة على وجود إبليس مخلدا؟ أسئلة كثيرة ذات أبعاد فلسفية وفكرية في القصيدة تبدو واضحة، ولكنها تحتاج إلى قراءة خاصة وأكثر استفاضة.. فلماذا يستسلم القديس لإبليس؟ وفي الفكر الإنساني دائما ينتصر الإنسان على الشيطان في الأخير.. بينما قديس الضباعي يستسلم مجبرا لإبليس حفاظا على وظيفته ومصدر دخله وهيبته في المجتمع ولماذا لجأ الشاعر لتوظيف شخصية القديس وهي شخصية مسيحية ولم يلجأ لتوظيف شخصية الفقيه؟ أم انه رمز دال على الشخصيتين؟ أم هو تعبير عن موقف الشاعر من رجال الدين في المسيحية كي يتحاشى النهاية المعروفة في انتصار الإنسان على الشيطان؟ فلو وظف شخصية الفقيه لكان ملزما عن قناعات عقائدية وفكرية بتعديل النهاية. كلها أسئلة لن أتهور لأجيب عليها أو مناقشتها مالم أقرأ للشاعر قصائد أخرى أو مقاطع منها يتناول فيها هذه العلاقة بين القديس والشيطان، وهل هي علاقة متلازمة في نظر الشاعر؟ ولكن لماذا جمع الشاعر بين البابا في عنوان القصيدة وبين القديس في القصيدة والبابا أعظم مكانة من القديس الراهب في الكنيسة؟ وهل فرض اسم البابا اسمه على الشاعر بتأثير إعلان بابا الكنيسة الكاثوليكية الراحل براءة اليهود من دم المسيح؟ للأسف.. تاريخ كتابة القصيدة غير مذكور في الديوان، مثلها مثل معظم قصائد الديوان، وهذا يحسب على أي شاعر يتناول قضايا فكرية وسياسية واجتماعية بالغة الأهمية. فهل يذهب الشاعر مع ما ذهب ويذهب إليه كثير من المفكرين العرب والأجانب، حول التأكيد على العلاقة بين كثير من المؤسسات المسيحية والمنظمة الصهيونية العالمية؟ وتبنيها ودعمها عن روابط عقائدية وتاريخية وفكرية وسياسية مشتركة للمشروع الصهيوني لإقامة دولة لليهود في فلسطين.. كلها أسئلة- كما قلت- لعل إجاباتها متاحة في حوار فكري طويل مع الشاعر القدير عبد الإله الضباعي.. ولا أراني أهلا لمثل هذا الحوار.([1])























































[1]))مختار مقطري صحيفة الأيام العدد"3586" بتاريخ 14/9/2005م

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More