احصائيات المدونة

الثلاثاء، 20 مارس 2012

تقديم لديوان الشعري الثاني الموسوم(كلم جدار)


تقديم لديوان الشعري الثاني الموسوم(كلم جدار

تقديم / الدكتور: علي صالح الخلاقي






أن يكون الشاعر، أي شاعر، مُقِلٌ في نشر أعماله, فهذا لا يعني بالضرورة أنه شاعر مُقل في نظم وقرض الشعر. ومن الصحيح أيضاً أن عدم تواصل أمثال هؤلاء الشعراء معنا كقراء أو مهتمين يجعلنا نظن أنهم كذلك. وهذا هو حالي مع الشاعر الشعبي عبداللاه سالم الضباعي، ابن هجر لبعوس وسليل بيت المشيخة فيها، حيث أن آل الضباعي  هم شيوخ مكتب البُعسي  في يافع، فمعرفتي الشخصية به سبقت معرفتي به كشاعر بسنوات كثيرة.  أما أول قصيدة عرفتني به كشاعر فقد قرأتها مصادفة في كتاب "المختار من الشعر الشعبي والأمثال"  الذي أعده الأستاذ صالح عمر محمد بن غالب وصدر في العام 1999م، وكانت قصيدة شاعرنا الضباعي تلك  فاتحة التعرف إليه كشاعر مجيد، إذ كانت تنضح بالحكمة ومتماسكة المعنى والمبنى وزاد من روعتها توظيف الشاعر للمأثور الشعبي في نسيجها الشعري فزادها قوة وتأثيراً، ولإعجابي بها اخترتها لتكون ضمن نماذج من الأشعار الشعبية اليافعية في موقع كلية التربية يافع في الإنترنت، الذي صممه الزميل الدكتور عبد الرحمن الوالي عميد الكلية، ومما قلته حينها في تقديم صاحب ".القصيدة " إنه شاعر مُقل لكنه مجيد.


وحين أهداني الشاعر نسخة من باكورة أعماله، المتمثلة بديوانه الموسوم "يا خير أمة" أيقنت أنه ليس مُقِلاً كما كنت أظن، بل أنه شاعر شعبي غزير الإنتاج، يمتلك موهبة خصبة ويجمع باقتدار بين الغزارة والإجادة في إبداعه الشعري المتنوع المضامين والفنون الشعرية، وأنه ر بما كان يفضل التأني والتريث في نشر أعماله لقناعات خاصة به، إلى أن حانت اللحظة التي فاجأنا فيها بصدور ديوانه الأول الصادر في النصف الثاني من العام الماضي 2004م.



وها هو شاعرنا الضباعي وفي مدى زمني قصير لم يتجاوز العام - يقدم لنا باقة جديدة من أشعاره في ديوانه الجديد "كلِّم جدار". وخصوصية هذا الديوان، الذي أراد صاحبه أن يكون متميزاً، تستشف من عنوانه، إذ كرسه بكامله لمعالجة موضوع واحد يؤرق بال مجتمعنا ويقض مضاجعنا جميعاً، أنه أخطبوط الفساد وكل ما ينطوي تحت مظلته من آفات وأمراض ومظاهر وسلوكيات شاذة قد تختلف في مسمياتها وتسمياتها وأساليبها لكنها تصب في نتائجها وعواقبها الوخيمة في بوتقة هذا الداء الفتاك الذي استشرى في مفاصل وشرايين وأوردة مجتمعنا ومؤسسات الدولة وطغى بنفوذ وسطوة رموزه وحماته حتى أصبح غولاً مرعباً وسبباً رئيسياً لتقهقر وتراجع دولة المؤسسات والنظام والقانون:

الفساد انتشر في كل مفصل وعرقوب




منّه الناس يا ساتر بحاله صعيبه


انتشاره وباء مثل البراغيث والصُّوْب




مص دم البشر بالعظم يسري دبيبه



إن أكبر مهام الأدب والمحور الذي يدور عليه هو نقد الحياة، وشاعرنا لم يحد عن هذه الجادة، بل انه يقدم نفسه في جميع قصائد هذا الديوان، صاحب موقف، وصاحب رسالة، فهو لا يحب الصمت حين يجب الكلام، ولسان حاله يقول : لو أن الصمت من ذهب فما أغنى الخرسان!. ولا يرغب في السكوت حين يرى المنكر لأن الساكت عن قول الحق شيطان أخرس. فكان خياره أن يصدع بقول الحق، لا يخاف في الله لومة لائم، بل انبري ناصحاً وناقداً، يتصيد المثالب والعُلل الاجتماعية ويصور الواقع تصويراً صادقا، في صيغ شعرية سلسة لا تخلو من السخرية التهكمية أحياناً مما يزيد أشعاره قوة وتأثيراً, كما في قصيدة "نبأ هام" أو "عميا خضَّبَهْ مجنونه". أو (سعدية في البير تسقط) أو (الثور زهير).

وتبرز في قصائد هذه المجموعة مقدرته الفائقة على التقاط الوقائع والهموم الحياتية اليومية التي ما تزال أنفاس الناس عالقة بها, لأنه يعيش في قلب المجتمع ويقدم صورة ناصعة لما يعتمل فيه من تفاعلات الحياة. ولا يقتصر نقده للظواهر السلبية على مجرد ترديد عبارات تقريرية جامدة أو سطحية أشبه بالمنشورات، بل يطبع كل قصائده بتعبيرات وصيغ فنية مؤثرة، محكمة المبنى والمعنى، ويعبر عن أفكاره ومواقفه في صور شعرية فنية تأسر السمع وتستحوذ على الأفئدة وتمتع الألباب بالمشاهد الحية والظواهر الاجتماعية التي يلتقطها ويسجلها شعراً في أجمل حُلة وأحلى بيان.

شعبنا في عوز        
 

والفاسد اليوم في عز

 

كُل شي له كنز  
    

وأهمل حقوقي نساني


أخطبوط افترش


وامتد لا كل مفرش

من يشوف اندهش  
  

خوفي رجع من أماني



إن الشاعر مسكون بهموم الشعب، يعيش معاناته ويتألم لآلامه، وتفصح أشعاره عن وجدان أيقظته المحنة والعبث الذي يطال كل شيء في مجتمعنا، ويلحظ القارئ أن هناك خيط واحد يربط جميع قصائد هذه المجموعة يتمثل بالمعاناة من الفساد والشكوى من إخطبوطه الغاشم، لهذا جاءت جميع قصائده منسجمة في سياق واحد من التناغم بين الألفاظ والمعاني المعبرة عن رفض هذا الواقع الموبوء بالفساد. والشاعر حين يشكو لا يعبر عن ذاته القلقة، بل أن شكواه وتبرمه من هذه الأوضاع ليست في حقيقة الأمر سوى تعبير عن هم وقلق الشعب بكل فئاته الواسعة التي ينبض قلب الشاعر بنبضها ويمثل بشعره الرئة التي يتنفس الناس من خلالها همومهم ويعبرون عن سخطهم ورفضهم لهذا الواقع المترع بالفساد. والشكوى البينة في قصائد هذا الديوان  ليس دليل هزيمة وإنما تعبير عن السخط والرفض العارم لكل القيم البالية والتصرفات الشاذة  التي يفرزها هذا الداء، والذي يشكو منه الكل في مجتمعنا من الغفير إلى الوزير ومن المواطن إلى الرئيس وكأن هناك قوة خفية تدير منظومته الجهنمية، بينما تسرح رموزه وتمرح على مرأى ومسمع الجميع، دون رادع أو عقاب.  ولكم تزداد المأساة حين يتباهى الفاسدون بمكانتهم المتميزة، بل ويفتخرون حتى "بتوريث الفساد" لأبنائهم الصغار:

الفساد انتشر خَيَّم بكل الدوائر



دون رادع ولا وازع لدين أو لغيره

 
منتشر في مرافقنا وعم المخافر

 


عند من نشتكي والأمن هُوْ ذي ديره

ذا مرض منتشر فيروس أصاب الضمائر




مُزمن أصبح ومتفشي وأفه خطيره

منتشر بالوراثة صاحبه به يفاخر




يفتخر حامله أن ينقله لا صغيره


إن الشكوى لدى الشاعر هي قبل كل شيء نصيحة يزجيها لولي الأمر، بعيداً عن المدح المغلف بالنفاق، وتتحول تدريجياً إلى سياط تلسع ظهور المفسدين وإرادة تقاوم.. تحذر وتنذر من عواقب التمادي والإيغال في الفساد. لذا نجد كثرة الكلمات التي تصرخ مزمجرة أو تحرض على الفعل الإيجابي، الذي يحتاج لإرادة سياسية وآلية عمل مستمرة  بغية استئصال شأفة هذا الوباء واقتلاعه من جذوره، بعيداً عن الحقن المهدئة. وهذا فحوى ما يقوله في رسالته للوالي الذي يؤازره في حربه المعلنة على "الفساد العام" في الخطابات الرسمية:    

وإحنا مع حربه المُعلن وله ننتصر




في اجتثاث الفساد العام حَمْلَهْ وغاره

لكن بحاجة لآلية عمل تستمر




خطة عمل جادة تنفيذها في جداره


علاجه البتر واستئصال هذا الخطر
 



جرّاح يستأصله ماهر وينهي أثاره


ليس العلاج المُسَكِّن بالحبوب أو إبر 
 



لو استمر المُسَكِّن با يصل عالمراره




ختاماً.. قد يكون من الكياسة وقد طلب مني صديقي الشاعر أن أكتب هذه المقدمة أن أكيل له المدح والإطراء، وأنا على يقين أنه في غنى عن ذلك ولا يرجوه، لأن الشاعر الذي لا يقدم نفسه وروحه وفكره في قصائده ليس بشاعر، وأجزم القول إن عبداللاه الضباعي قد فعل ذلك واختط له مكانته في ساحات الشعر الشعبي اليمني. وليعذرني القارئ العزيز,  فكلماتي هذه ليست سوى إبحار عابر في مضمون الديوان، فأنا لست بشاعر أو ناقد وإنما ذواقة للشعر بشكل عام، والشعر الشعبي بشكل خاص، ولن أطيل الحديث أو الاستشهاد بأبيات محددة  قد تفسد متعة الإبحار بين دفتي هذا الديوان الذي يقدم نفسه([1]).  





[1])) د/علي صالح الخلاقي, تقديم المجموعة الشعرية الثانية الموسومة بــ(كلم جدار) 2005م تم نشرها في صحيفة التحديث العدد() بتاريخ

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More