احصائيات المدونة

الخميس، 29 مارس 2012



توقيف (جريدة المخرطة) ومنعها من النشر

عبداللاه الضباعي




سنحاول في هذا الموضوع تسليط شيء من الضوء على (جريدة المخرطة) وعن الناشر أو صاحب الامتياز, رئيس التحرير: الشيخ حسين محمد بن عوض باعباد,آل(الركن), سليل البيت الأموي القرشي الذي يرجع نسبه إلى الخليفة الأموي (معاوية بن أبي سفيان)، وابن هجر لبعوس يافع, وأحد ضباط لواء جيش (الليوي), المرابط في خمسينيات القرن الماضي  بمنطقة أبين (جعار), وكان يشغل فيه منصب رئيس مخازن وحدة الإمداد والتموين.


كان الملازم ثاني حسين العبادي يتمتع بذكاء وسرعة بديهة وملكات وقدرات إبداعية وفنية عالية، وكان شخصية عسكرية واجتماعية جذابة, لها حضورها الطاغي, ومتحدثاً لبقاً يسحر المستمع إليه بحديثه الشيق العذب وروح الدعابة والنكتة التلقائية الممتعة (الهادفة).

في أثناء إقامة (العبادي) بمدينة جعار حاضرة سلطنة يافع الساحل آنذاك, وفي مطلع العقد السادس من القرن الماضي تحديداً أصدر (جريدة المخرطة), واختط لها منهجا قائما على الأسلوب الساخر والنقد اللاذع للظواهر والسلوكيات القبيحة المخالفة لفطرة الإنسان, أو ما يسميه علماء الأخلاق بـ"الرذائل" وبالمقابل تتبني المواقف الأخلاقية الحميدة أو ما يسمى بـــ"الفضائل"، وبهذا ساهمت إلى حد كبير في تشكيل وخلق وعي ثقافي جديد بين أوساط أهالي مدينة (جعار) على مختلف مشاربهم, واستطاعت هذه الجريدة من أول إصدر لها أن تحدث دويًّا وصدى واسعا تداعى له كل أبناء المدينة والمقيمين فيها، فكانوا يستقبلونها بشوق ولهفة وينتظرون صدورها بفارغ الصبر, وكان عدد قُرائها يزداد يوما بعد يوم، وتتسع دائرة انتشارها وتداولها بين ساكني مدينة جعار التي كانت محيطها الجغرافي.

كان للجريدة تأثير قوي, عرَّض صاحبها للمضايقات وصلت إلى حد نقله من مدينة (جعار) إلى صحراء (بيحان)، يالها من عقوبة قاسية, وياله من بون شاسع, فشتان ما بين حياة المدينة والعيش فيها وحياة الصحراء القاحلة والعيش في معسكرات الجيش. لكنها  ضريبة الحرية والكرامة وحرية الرأي.

الجدير بالإشارة إلى أن هذه الجريدة لم تكن جريدة بالمعنى الحرفي للجريدة أو الصحيفة اليومية  أو الأسبوعية المتعارف عليها اليوم, لا من حيث الحجم ولا من حيث عدد الصفحات ولا من حيث تعدد وتنوع المواضيع التي تتناولها صحف اليوم, ولا من حيث ما تمتلكه جرائد اليوم من إمكانات وتقنيات وآلات طباعة حديثة وكمبيوترات ... إلخ. كانت جريدة المخرطة تفتقر لكل تلك المقومات.

كانت جريدة المخرطة تتكون من أربع صفحات فقط هي: الصفحة الرئيسية, والصفحة الأخيرة, وصفحتان داخليتان، بالمختصر هي عبارة عن ورقتين يتم نزعهما من وسط ((BOOK الدفتر المدرسي الخاص بطلبة المدارس الابتدائية.

لقد كانت جريدة بسيطة, لم يتوفر لها ما تملكه جرائد اليوم ولا في مستواها من حيث المظهر, لكنها كانت تفوق معظمها من حيث الجوهر والهدف الذي كانت تتبناه والمواضيع التي تتناولها والملامسة لهموم الناس وكل ما يؤرق بال المجتمع ويقض مضجعه من آفات وأمراض ومظاهر وسلوكيات شاذة, فتجدها تحذر وتنذر من عواقب التمادي والإيغال في الظلم والفساد.

كان صاحب الجريدة مسكونا بهموم الناس، يعيش معاناتهم ويتألم لآلامهم, لذا كان المواطن في مدينة (جعار) يجد في هذه الجريدة صغيرة الحجم وقليلة الأسطر والكلمات متنفساً وملاذاً، وهي في نظره كبيرة في المضمون والمحتوى وقوة التعبير, فعباراتها مشحونة بكثافة وجزالة مفرداتها التي تصرخ مزمجرة في وجه الظالم, وتتحول في الوقت نفسه إلى سياط تلسع ظهور الظلمة والمفسدين وتحرض على الفعل الإيجابي الذي يحتاج لإرادة تقاوم الأفعال الشائنة وتحث على استئصال شأفة هذه الأوبئة واقتلاعها من جذورها .. إذاُ فحجم هذه الجريدة بأهمية محتواها وقوة تأثيرها الذي لا يزال في نفوس ووجدان معاصريها من المعمرين حتى اليوم, فيما إذا قارناها بهذا الكم الكبير من جرائد اليوم وبما تحويه من غث.

كانت جريدة المخرطة تصدر عصر كل يوم، والمطبعة التي تطبع فيها خط يد بقلم الناشر، وعدد النسخ: نسخة واحدة فقط لا غير، وعملية التوزيع: أوكلت مهمتها إلى اثنين من الشباب, ممن كانوا يجيدون القراءة والكتابة, وكانا يقومان بالتنقل بها في النوادي والمنتديات ومجالس القات والمقاهي وكافة الأماكن الخاصة بتجمعات الناس، وكانا يتناوبان على إلقائها وقراءة محتوياتها والجميع يستمعون إليهما في إصغاء وإنصات. وكانت هذه الأماكن التي يؤمها الناس وتتلى فيها محتويات الجريدة تكتظ بالمستمعين وخاصة مجالس القات ومقاهي الشاي, وبحسب مواعيد وأوقات يعرفها الجميع, تبدأ بمجالس القات من بعد صلاة العصر إلى قبل صلاة المغرب, تليها المقاهي من بعد صلاة المغرب, وكانت تعود إلى صاحبها قبل عصر اليوم التالي لكن (منهكة متهالكة وفي حالة إجهاد) ويتم استلام العدد الجديد.

ترويستها تتضمن: (المخرطة جريدة يومية عامة - اسمها عليها - صاحب الامتياز رئيس التحرير حسين محمد العبادي - العنوان: حافة قدر الله - السعر: الأجر من الله).

توفى صاحبها ورئيس تحريرها في مستشفى (باصهيب) العسكري بمدينة عدن في صباح يوم 21مارس سنة 1981م بعد معاناة مع المرض، وكان ما زال يعمل في جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية برتبة رائد رحمه الله رحمة الأبرار. 



نُشر  هذا المقال في صحيفة الأمناء عدن العدد(126) الأربعاء الموافق 30نوفمبر2011م  صفحة رقم (15)


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More